كيف تم بناء أهرامات الجيزة؟ ماذا تقول مذكرات ميرير البالغة من العمر 4500 عام؟

توفر الأقسام المحفوظة بشكل أفضل، والمسماة بردية الجرف A وB، توثيقًا لنقل كتل الحجر الجيري الأبيض من محاجر طرة إلى الجيزة عبر القارب.

تقف أهرامات الجيزة العظيمة كدليل على براعة المصريين القدماء. لعدة قرون، تساءل العلماء والمؤرخون كيف تمكن مجتمع ذو تكنولوجيا وموارد محدودة من بناء مثل هذا الهيكل المثير للإعجاب. في اكتشاف رائد، اكتشف علماء الآثار يوميات ميرير، مما يلقي ضوءًا جديدًا على أساليب البناء المستخدمة خلال الأسرة الرابعة في مصر القديمة. تقدم هذه البردية التي يبلغ عمرها 4,500 عام، وهي الأقدم في العالم، نظرة تفصيلية حول نقل كتل الحجر الجيري والجرانيت الضخمة، وتكشف في النهاية عن الإنجاز الهندسي المذهل وراء أهرامات الجيزة الكبرى.

الهرم الأكبر بالجيزة وأبو الهول. حقوق الصورة: وايرستوك
الهرم الأكبر بالجيزة وأبو الهول. حقوق الصورة: وايرستوك

نظرة ثاقبة على مذكرات ميرير

قام ميرير، وهو مسؤول متوسط ​​الرتبة يشار إليه باسم المفتش (sHD)، بتأليف سلسلة من سجلات البردي المعروفة الآن باسم "مذكرات ميرير" أو "بردية جارف". يعود تاريخ هذه السجلات إلى العام السابع والعشرين من حكم الفرعون خوفو، وقد تمت كتابتها بالهيروغليفية الهيراطيقية وتتكون في المقام الأول من قوائم الأنشطة اليومية لمرير وطاقمه. توفر الأقسام المحفوظة بشكل أفضل، والمسماة بردية الجرف A وB، توثيقًا لنقل كتل الحجر الجيري الأبيض من محاجر طرة إلى الجيزة عبر القارب.

إعادة اكتشاف النصوص

كيف تم بناء أهرامات الجيزة؟ ماذا تقول مذكرات ميرير البالغة من العمر 4500 عام؟ 1
ورق البردي في الأنقاض. إحدى أقدم البرديات في تاريخ الكتابة المصرية ضمن مجموعة برديات الملك خوفو المكتشفة بميناء وادي الجرف. حقوق الصورة: مدونة التاريخ

وفي عام 2013، اكتشف علماء الآثار الفرنسيون بيير تاليه وجريجوري ماروارد، الذين يقودون بعثة في وادي الجرف على ساحل البحر الأحمر، أوراق البردي المدفونة أمام كهوف من صنع الإنسان تستخدم لتخزين القوارب. وقد تم الترحيب بهذا الاكتشاف باعتباره أحد أهم الاكتشافات في مصر خلال القرن الحادي والعشرين. حتى أن تاليه ومارك لينر أطلقا عليها اسم "مخطوطات البحر الأحمر" لمقارنتها بـ "مخطوطات البحر الميت" للتأكيد على أهميتها. وأجزاء من البرديات معروضة حاليًا في المتحف المصري بالقاهرة.

تقنيات البناء التي تم الكشف عنها

قدمت مذكرات ميرير، إلى جانب الحفريات الأثرية الأخرى، رؤى جديدة حول أساليب البناء التي استخدمها المصريون القدماء:

  • الموانئ الصناعية: كان بناء الموانئ لحظة محورية في التاريخ المصري، حيث فتح فرصًا تجارية مربحة وأقام اتصالات مع الأراضي البعيدة.
  • النقل النهري: تكشف مذكرات ميرير عن استخدام القوارب الخشبية، المصممة خصيصًا بالألواح والحبال، القادرة على حمل الحجارة التي يصل وزنها إلى 15 طنًا. وتم تجديف هذه القوارب في اتجاه مجرى النهر على طول نهر النيل، لنقل الحجارة في نهاية المطاف من طرة إلى الجيزة. كل عشرة أيام تقريبًا، كانت تتم رحلتان أو ثلاث رحلات ذهابًا وإيابًا، لشحن ربما 30 قطعة بوزن 2-3 طن لكل منها، أي ما يصل إلى 200 قطعة شهريًا.
  • محطات مائية بارعة: في كل صيف، سمحت فيضانات النيل للمصريين بتحويل المياه من خلال نظام قناة من صنع الإنسان، مما أدى إلى إنشاء ميناء داخلي قريب جدًا من موقع بناء الهرم. وقد سهّل هذا النظام إرساء القوارب بسهولة، مما أتاح النقل الفعال للمواد.
  • تجميع القارب المعقد: باستخدام المسح ثلاثي الأبعاد لألواح السفن ودراسة منحوتات المقابر والسفن القديمة المفككة، تمكن عالم الآثار محمد عبد المجيد من إعادة بناء قارب مصري بدقة. تم خياطة هذا القارب القديم بالحبال بدلاً من المسامير أو الأوتاد الخشبية، وهو بمثابة شهادة على الحرفية المذهلة في ذلك الوقت.
  • الاسم الحقيقي للهرم الأكبر: تذكر المذكرات أيضًا الاسم الأصلي للهرم الأكبر: أخت-خوفو، ويعني "أفق خوفو".
  • بالإضافة إلى ميرير، تم ذكر عدد قليل من الأشخاص الآخرين في الأجزاء. والأكثر أهمية هو عنخاف (الأخ غير الشقيق للفرعون خوفو)، المعروف من مصادر أخرى، والذي يعتقد أنه كان أميرًا ووزيرًا في عهد خوفو و/أو خفرع. يُطلق عليه في البرديات اسم النبيل (إيري بات) والمشرف على رع شي خوفو (ربما) ميناء الجيزة.

الآثار والإرث

خريطة شمال مصر توضح موقع محاجر طرة بالجيزة ومكان العثور على يوميات ميرير
خريطة لشمال مصر توضح موقع محاجر طرة بالجيزة ومكان العثور على يوميات ميرير. حقوق الصورة: ويكيميديا ​​​​كومنز

كما كشف اكتشاف مذكرات ميرير وغيرها من القطع الأثرية عن دليل على وجود مستوطنة واسعة تدعم ما يقدر بنحو 20,000 ألف عامل مشارك في المشروع. تشير الأدلة الأثرية إلى وجود مجتمع يقدر ويهتم بالقوى العاملة لديه، ويوفر الغذاء والمأوى والهيبة للعاملين في بناء الهرم. علاوة على ذلك، أظهر هذا العمل الهندسي الفذ قدرة المصريين على إنشاء أنظمة بنية تحتية معقدة امتدت إلى ما هو أبعد من الهرم نفسه. ستشكل هذه الأنظمة الحضارة لآلاف السنين القادمة.

الأفكار النهائية

كيف تم بناء أهرامات الجيزة؟ ماذا تقول مذكرات ميرير البالغة من العمر 4500 عام؟ 2
تزين الأعمال الفنية المصرية القديمة مبنى قديم، وتعرض رموزًا وشخصيات آسرة، بما في ذلك القارب الخشبي. حقوق الصورة: وايرستوك

تقدم مذكرات ميرير معلومات قيمة عن نقل الكتل الحجرية لبناء أهرامات الجيزة عبر القنوات المائية والقوارب. ومع ذلك، ليس الجميع مقتنعين بالمعلومات المستردة من مذكرات ميرير. وفقًا لبعض الباحثين المستقلين، فإن هذا يترك أسئلة دون إجابة حول ما إذا كانت هذه القوارب قادرة على مناورة أكبر الحجارة المستخدمة، مما يلقي بظلال من الشك على قابليتها للتطبيق العملي. بالإضافة إلى ذلك، فشلت المذكرات في تفصيل الطريقة الدقيقة التي استخدمها العمال القدماء لتجميع هذه الحجارة الضخمة وملاءمتها معًا، مما ترك الميكانيكيين وراء إنشاء هذه الهياكل الضخمة يكتنفها الغموض إلى حد كبير.

فهل من الممكن أن يكون ميرير المسؤول المصري القديم المذكور في النصوص والسجلات قد أخفى أو تلاعب بمعلومات حول عملية البناء الفعلية لأهرامات الجيزة؟ على مر التاريخ، كثيرًا ما تم التلاعب بالنصوص والكتابات القديمة، أو المبالغة فيها، أو الحط من شأنها من قبل المؤلفين تحت تأثير السلطات والعهود. على الجانب الآخر، حاولت العديد من الحضارات الحفاظ على سرية أساليب البناء والتقنيات المعمارية الخاصة بها عن الممالك المنافسة. لذلك، لن يكون مفاجئًا أن يقوم ميرير أو غيره من المشاركين في بناء النصب التذكاري بتشويه الحقيقة أو إخفاء جوانب معينة عمدًا للحفاظ على الميزة التنافسية.

بين وجود وعدم وجود تكنولوجيا فائقة التقدم أو عمالقة قدماء، يظل اكتشاف مذكرات ميرير رائعًا حقًا في كشف أسرار مصر القديمة والعقول الغامضة لسكانها.